فصل: قال في البحر المديد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

الْوَاجِبُ عَلَى مُعْطِي الصَّدَقَةِ كَانَ إمَامًا أَوْ مَالِكًا أَنْ يُرَاعِيَ أَحْوَالَ النَّاسِ، فَمَنْ عَلِمَ فِيهِ صَبْرًا عَلَى الْخَصَاصَةِ وَتَحَلِّيًا بِالْقَنَاعَةِ آثَرَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ، فَرُبَّمَا وَقَعَ فِي التَّسَخُّطِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ: {إنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ}. اهـ.

.قال الثعالبي:

ينبغى للفقيرِ أنْ يتعفّف في فَقْره، ويكتفي بعلْمِ ربِّه، قال الشيخُ ابن أبي جَمْرة: وقد قال أهْلُ التوفيق: مَنْ لَمْ يَرْضَ باليسيرِ، فهو أسير. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الذين أُحْصِرُواْ فِي سَبِيلِ الله}.
قال الزمخشري: أي اعمدوا للفقراء أو جعلوا ما تنفقون للفقراء.
ويجوز أن يكون خبر متبدإ محذوف أي صدقاتكم للفقراء.
قال ابن عرفة: المقدرات باعتبار المعنى متفقة وباعتبار كيفية الدليل مختلفة وَسَبِيلِ اللهِ قال مالك في كتاب الحبس: هو وجوه الخير. بالإطلاق كيف ما كانت.
وقال ابن عبد البر: المشهور عن مالك أنه الجهاد.
قوله تعالى: {أَغْنِيَاءَ مِنَ التعفف}.
ولم يقل: من تعفّفهم إشارة إلى اتصافهم بأبلغ وجوه التعفف لأن تعفف المحتاج {المضطر} إلى المسألة ليس كتعفف من لم تبلغ به الحاجة إلى السؤال فأفاد أن هؤلاء لم يتّصفوا بتعفّفهم اللائق بهم بل اتصفوا بالتعفف الإجمالي.
قوله تعالى: {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ}.
الخطاب له ولغيره.
قوله تعالى: {لاَ يَسْئَلُونَ الناس إِلْحَافًا}.
ونقل هنا ابن عرفة كلام المفسرين ثم قال: ويحتمل أن يكون مثل {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أي لو قدر صدور السؤال منهم لما قدر وقوعه إلا بالإلحاف لأجل ما نالهم من الجهد والحاجة، ويحتمل أن يكون مثل قول الله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} فيكون من باب نفي استلزام الأخص أمرا وإذا لم يستلزم الأخص أمرا لم يستلزمه الأعم.
والمعنى: لا يسألون الناس لأجل الإلحاف في السؤال أي لأجل سبب الإلحاف وهو شدة الحاجة وإذا لم يسألوهم لأجل شدة الحاجة فأحرى أن لا يسألوهم لأجل سبب عدم الإلحاف وهو مطلق الحاجة فقط.
قال الفخر بن الخطيب يحتمل أن يراد بالإلحاف تأكيد صبرهم.
قال ابن عرفة: ينبغي أن يوقف على قوله: {لاَ يَسْئَلُونَ الناس إِلْحَافًا} مصدر، أي يلحفون إلحافا، أي يبلغون في شدة صبرهم وتجلدهم على الفقر. انتهى.
قوله تعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ}.
قال ابن عرفة: قالوا: إن العبد يفرق بين حالة طاعته لسيده وهو حاضر ينظر إليه وبين حالة طاعته له في غيبته فمع الحضور يجتهد أكثر.
قيل لابن عرفة: إذا بنينا على مذهب أهل السنّة في التفريق بين عليم وبصير فيرد السؤال على ما قلت، فيقال: هلا قيل: فَإنّ اللهَ بِه بصير فهو أخص من عليم خلافا للمعتزلة؟ فقال: الآية خطاب للعوام لا للخواص وصفة العلم عندهم أجلى إذ لا خلاف فيها، بخلاف بصير فإنّ منهم من ردّه لعليم ومنهم من أبقاه على ظاهره. اهـ.

.قال في البحر المديد:

كان عبد الله بن المبارك يصرف مصروفه لأهل العلم، ويقول: إني لا أعرف بعد النبوة أفضل من العلماء، فإذا اشتغل قلب أحدهم بالحاجة والعيلة لم يتفرغ للعلم، ولا يقبل على تعليم الناس، فرأيت أن أكفيهم أمر الدنيا؛ لأفرغهم للعلم، فهو أفضل. اهـ. والله تعالى أعلم. اهـ.

.من فوائد ابن القيم في الآية:

قال رحمه الله:
ذكر المصرف الذي توضع فيه الصدقة فقال تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} فوصفهم بست صفات إحداها الفقر.
الثانية حبسهم أنفسهم في سبيله تعالى وجهاد أعدائه ونصر دينه.
وأصل الحصر المنع فمنعوا أنفسهم من تصرفها في أشغال الدنيا وقصروها على بذلها لله في سبيله.
الثالثة عجزهم عن الأسفار للتكسب والضرب في الأرض هو السفر قال تعالى: {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} وقال تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة}.
الرابعة شدة تعففهم وهو حسن صبرهم وإظهارهم الغنى حتى يحسبهم الجاهل أغنياء من تعففهم وعدم تعرضهم وكتمانهم حاجتهم.
الخامسة أنهم يعرفون بسيماهم وهي العلامة الدالة على حالتهم التي وصفهم الله بها وهذا لا ينافي حسبان الجاهل أنهم أغنياء لأن الجاهل له ظاهر الأمر والعارف هو المتوسم المتفرس الذي يعرف الناس بسيماهم فالمتوسمون خواص المؤمنين كما قال تعالى: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}.
السادسة تركهم مسألة الناس فلا يسألونهم والإلحاف هو الإلحاح والنفي متسلط عليهما معا أي لا يسألون ولا يلحفون فليس يقع منهم سؤال يكون بسببه إلحاف وهذا كقوله:
على لاحب لا يهتدي لمناره

أي ليس فيه منار فيهتدي به وفيه كالتنبيه على أن المذموم من السؤال هو سؤال الإلحاف فأما السؤال بقدر الضرورة من غير إلحاف فالأفضل تركه ولا يحرم.
فهذه ست صفات للمستحقين للصدقة فألغاها أكثر الناس ولحظوا منها ظاهر الفقر وزيه من غير حقيقته وأما سائر الصفات المذكورة فعزيز أهلها ومن يعرفهم أعززه والله يختص بتوفيقه من يشاء فهؤلاء هم المحسنون في أموالهم. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ}.
{لِلْفُقَرَاء} متعلق بمحذوف ينساق إليه الكلام. أي: اجعلوا ما تنفقونه للفقراء. أو صدقاتكم للفقراء. أي: المحتاجين إلى النفقة: {الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} أي: حبسوا أنفسهم في طاعته تعالى من جهاد أو غيره: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا} أي: ذهابًا: {فِي الأَرْضِ} لاكتساب أو تجارة: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ} بحالهم: {أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ} أي: من أجل تعففهم عن السؤال. والتلويح به قناعة بما أعطاهم مولاهم، ورضًا عنه، وشرف نفس: {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم كما قال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29]، وقال: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30]. وفي الحديث الذي في السنن: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» ثم قرأ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] قاله ابن كثير.
قال الغزالي: ينبغي أن يطلب بالفحص عن أهل الدين في كل محلة، ويستكشف عن بواطن أحوال أهل الخير والتجمل، ممن يكون مستترًا مخفيًا حاجته لا يكثر البث والشكوى. أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته. فهو يتعيش في جلباب التجمل. فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال. كما ينبغي أن يطلب بصدقته من تزكو به الصدقة، كأن يكون أهل علم. فإن ذلك إعانة له على العلم. والعلم أشرف العبادات مهما صحت فيه النية. وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم. فقيل له: لو عممت! فقال: إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء. فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم. فتفريغهم للعلم أفضل.
لطيفة:
السيما مقصور، كالسيمة. والسيماء والسيمياء ممدودين بكسرهن. والسومة بالضم: العلامة. قال أبو بكر بن دريد: قولهم: عليه سيما حسنة، معناه علامة وهي مأخوذة من وسمت أَسِمُ. والأصل في سيما وسمي. فحولت الواو من موضع الفاء فوضعت في موضع العين، كما قالوا: ما أطيبه وأيطبه، فصار سومي. وجعلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، قال السمين: فوزن سيما عفلًا. وإذا مدت فالهمزة فيها منقلبة عن حرف زائد للإلحاق. إما واو أو ياء. فهي كعلباء، ملحقة بسرداح. فالهمزة للإلحاق، لا للتأنيث وهي منصرفة لذلك. انتهى.
{لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} مصدر في موضع الحال. أي: ملحفين. يقال: ألحف عليه الخ. قال الزمخشري: الإلحاف الإلحاح وهو اللزوم. وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه، من قولهم: لحفني من فضل لحافه. أي: أعطاني من فضل ما عنده. قيل: معنى الآية: إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا. فيكون النفي متوجهًا إلى القيد وحده. والصحيح أنه نفي للسؤال والإلحاف جميعًا. فمرجع النفي إلى القيد ومقيده، كقوله: {وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18]، وفيه تنبيه على سوء طريقة من يسأل الناس إلحافًا، واستيجاب المدح والتعظيم للمتعفف عن ذلك. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤا إن شئتم: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}». وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم». وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه، والنسائي وابن حبان عن سَمُرة بن جُنْدب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه. فمن شاء أبقى ومن شاء ترك. إلا أن يسأل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بدًا». وأخرج أحمد عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المسألة كدوح في وجه صاحبها يوم القيامة. فمن شاء استبقى على وجهه». وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر». وأخرج أحمد وأبو داود، وابن خزيمة عن سهل بن الحنظلية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سال شيئًا وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم». قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: «ما يغديه أو يعشيه». وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلنا علام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا ولا تسألوا الناس. فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحدًا يناوله إياه.
وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه». وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الله يحب المؤمن المحترف». وأخرج أحمد والطبراني وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استغنى أغناه الله. ومن استعف أعفه الله. ومن استكفى كفاه الله. ومن سأل وله قيمة أوقيةٍ فقد ألحف». وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر أن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال: «خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتموله. فإن شئت كله وإن شئت تصدق به. وما لا فلا تتبعه نفسك».
قال سالم بن عبد الله: فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحدًا شيئًا، ولا يرد شيئًا أعطيه: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ} أي: ولو على الملحين وعلى من لم يتحقق فقرهم أو لم تشتد حاجتهم: {فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} أي: بأن ذلك الإنفاق له أو لغيره، فيجازي بحسبه. اهـ.